الأندية المغربية |كأس العرب للأندية الأبطال

ديربي كازابلانكا مرادف للجنون في الملعب و الجمال في المدرجات

بقلم : محمد أكبيشا

في كتاب “فن السعادة” ، المؤلف “دلاي لاما” سأل صحفيا، قائلا له؛ هل تعتقد أنك تستطيع شراء الحب؟ … فأجابه بنعم، أستطيع فعل ذلك، خاصة إذا كنت أملك المال!

ليجيبه لاما، هذا ليس حبا ؛ أتعلم لماذا؟ … لأنه حب بشروط، و عندما يبنى على هذه الأخيرة، يصبح الحب مؤقتا أي خاضعا للظروف، فكن على يقين أنك بمجرد ان تصبح فقيرا ستهجرك؛ لأن الحب الذي يكون فيه العطاء مع إنتظار الجزاء، ليس حبا أبدا.

وأنت تشاهد ديربي كازا بلانكا ستفهم وتعرف مغزى ما قاله لاما، فحب جماهير الوداد و جماهير الرجاء لفريقيهما سيجعلك تدرك معنى الحب … عشقوا فرقهم لدرجة الجنون، يكدسون وقتهم بالكامل فقط لجعل العالم يندهش بإبداعاتهم، فتكون النتيجة إحترام و إجلال لهم لأنهم يلخصون … ماهو الحب؟

ببساطة هذا هو الحب … أن تحب فقط لأنك تحب !

أجل، إنها الدار البيضاء ! فيها قوم نفَسهم هو كرة القدم، عشقوها و اعتنقوا حبها، ليكون مرادف الجنون عندهم ” ملحمة الشعب و الأمة ” … و لتصبح حديث العالم، وتكون إحدى أجمل مباريات الموسم !

من يفهم في دواليس الكرة المغربية، سيعلم أن هاته الملحمة كان من المفترض أن نشاهدها كلما التقا الفريقان … فعندما جعلوهم يلعبون كرة القدم بدون مسرحية، كانت النتيجة ما شاهدتموه؛ إثارة_متعة_حماس_إبداع .

بالضبط، كانت قمة لم تشهدها الساحة المغربية من قبل … حرب في المدرجات، و قتالية على أرضية الملعب، لتعلن الحداد على من لم يتابع هذه المعركة.

وما جعلها ملحمة هو بالتأكيد الإبداع الجماهيري، والأهم الجانب الفني … لكن العامل الذي حسم اللقاء؛ هو العامل الذهني !

فالقاعدة الأساسية في كرة القدم ” عند أي تقدم على الخصم، خاصة إذا كان هذا التقدم كاسحا … يجب عليك أولا تهدئة اللعب، ثانيا اللعب على أعصاب المنافس، و ثالثا وهو الأهم، عدم الدخول في الحماس الزائد “
فالوداد افتقد لهاته القاعدة ليفقد بذلك بوصلة العبور.

لكن أيضا الجانب الفني كان له دور، سواءا من حيث تعامل جمال سلامي مدرب الرجاء أو زوران مدرب الوداد … فالرجاء أثناء تسجيلها للتعادل ظنت أنها ستحسم الأمور سيما و أن الوداد يعاني من غيابات وازنة، إضافة إلى إصابة إسماعيل الحداد أثناء المباراة، لهذا كانت لديهم فرصة سانحة للقبض على الأحمر، و التقدم لمناطق الوداد بزيادة عددية؛
هنا أتى أول تفوق لزوران على جمال، فقد غير نهج اللعب من الاعتماد على عرض الملعب إلى الإعتماد على عمق الملعب، خاصة بإدخال الحسوني الذي غير شكل هجوم الوداد بالكامل … ليعود الرجاء لمناطقه الخلفية، و لتأتي الصفعات الواحدة تلو الأخرى، فمع ذكاء مهاجمي الوداد و الكارثة الدفاعية للنسر أصبحت النتيجة 4-1؛ وليصبح رسميا الرجاء أوت !

هنا يجب على جماهير الرجاء شكر محسن متولي بالدرجة الأولى، فهو الوحيد في الملعب الذي لم ينهار بل آمن بحظوظ فريقه ولم يستسلم، و عليهم أيضا شكر جمال على تعامله مع باقي مجريات اللقاء … فتغييراته أحدثت فارقا كبيرا، بحيث أقحم أحداد ليوسع رقعة الملعب، وليلعب بللامركزية مع مالونغو فيسجل له هدف تقليص الفارق، كما أدخل جبرون ليزيد الضغط على شارع الناهيري مع متولي، لتصبح هذه الجهة إمدادا لإعصار الرجاء، و أهم شيء فعله جمال هو وضع بدر بانون في مناطق الوداد ليستغل الكرة الثانية أفضل إستغلال و ليلعب على الكرات العرضية؛

وهنا ظهر الفرق في التعامل الذهني مع المباراة، فمع فريق ظن أنه حسم التأهل وفريق يحاول فقط الخروج بأقل الأضرار … انقلبت الآية وأصبح الرجاء أكثر حضورا في الجانب الذهني ليقلب المشهد محسن متولي ويهدي الرجاء كامباك عالمي.

زوران عكس جمال، فهذا الأخير ساعد الفريق بتغييراته، أما الأول فساعد الخصم خاصة بإقحام الأصبحي … وهنا علم جمال أن الانتحار حلال وقدم جميع أوراقه الهجومية لتكون النتيجة عودة ولا في الأحلام!

بالتأكيد لقطة المباراة أتيحت للكعبي وكان بإمكان ال 4-4 أن تكون 5-3 … و لهذا يبقى السؤال، ماذا لو أيوب استغل تلك الكرة؟ كيف كان سيكون سيناريو اللقاء؟

كل هذه السيناريوهات كانت في أرضية الملعب، أما في المدرجات فكانت ملحمة أخرى … مخرج المباراة لأول مرة يبقى حائرا حول ماذا سيفعل، هل سيركز على تقلبات اللقاء؟ أم على التحف و الإبداعات التي كانت ترسمها الجماهير؟
فالروعة كانت في المدرجات … لتكتمل الفرجة في الميدان .

لذا فالجماهير أكدوا مرة أخرى أن الحب، كما قلت في البداية، هو أن تحب فقط لأنك تحب … فكمية التضحيات كانت لا مثيل لها و كمية الإبداع لا وصف له، وأيضا كمية الاحترافية قلّما توجد في كثير من الدول؛ فكل الشكر و الاحترام على هذا الدرس الذي قدموه لنا.

إن هذا العرس الكبير، أكبر مستفيد منه هي المملكة المغربية، لتقوم بأروع ترويج لها، وتؤكد أنها قادرة على إستضافة أي عرس آخر كبير مهما كان … فديربي كازا أكد أن المغرب وصل إلى خطوط مازال يحلم أن يصلها الكثيرون، لأن من يمتلك تلك الجماهير و تلك الاحترافية في الإبداع، من العادي جدا أن يحسد عليها.

شكرا لشعب الرجاء، و شكرا لأمة الوداد … فكما قال فارس عوض ” أين كنا من قبل؟ لقد سمعنا عنكم، لكن لم نتوقع إلى هذه الدرجة، فاليوم أكدتم على ما سمعناه، بل أكدتم أن ما سمعناه لا شيء مما رأيناه، هنيئا لكم بتلك الجماهير، وهنيئا للمغرب بهذا الشغف الكروي “
والشكر الأكبر لقنوات أبوظبي على هاته التغطيةالتي لم تشهد مثلها الساحة الإعلامية المغربية … ليؤكدوا أن التغطية سر نجاح أي عرس .

إذا، أسدل الستار على أحد أجمل الليالي الكروية، لتصبح الرواية مفهوما لمعنى التضحية، وتجسيدا لعدم الاستسلام … والأهم لروعة كرة القدم التي تجعلنا نعيش مختلف أنواع الأحاسيس خلال تسعين دقيقة فقط؛ غضب، فرحة، إبتسامة و بكاء!

ديربي أوفى بوعوده؛ عاش ديربي كازا … والأهم عاشت كرة القدم على هذه المتعة المجانية .

ديربي للتاريخ … مبروك للرجاء العالمي؛ وهاردلك لوداد الأمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *